المصباح المنير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رجال صدقوا مع الله

4 مشترك

اذهب الى الأسفل

نجمة رجال صدقوا مع الله

مُساهمة من طرف رضوى الأربعاء 08 أغسطس 2007, 17:12

رجال صدقوا مع الله Bsmlah

ثمار من غرس النبوة

رجال ومواقف

لفضيلة الشيخ محمد الشال - كلية الشريعة


ربعي بن عــامر


عرف الفُرس من أمر العَرب أنهم جادّون، وأنهم في غزوتهم ليسوا طلاب إغارة للتزوّد بزاد أو التبلّغ بمقام؛ فقد وضعوا أيديهم على الكثير من سواد العراق، وهم وإن تريّثوا في الغزو فليس ذلك عن ضعف أو بلوغ غاية، ولكنهم يروون رأيهم ويجمعون جموعهم ويتلمسون نبأ أعدائهم، وقد قابل الفرس نبأ غزو العرب باستخفاف المتكبّر وسخرية المستخفّ، فما كان للعرب في ماضيهم دولة ولا كان لهم في حياتهم هدف، بل كان أمرهم مضيّعا مع هوى الفرس تارة وهوى الروم أخرى، وإنهم راضون من حياتهم بانتجاع الكلأ وتلمّس المرعى والرضا بالكفاف وتوسّد الخيال الشعريّ المهدهد على الأمل والمروّض على الحبّ؛ فما بالهم يغِيرون ولا يخافون، ويغزون ولا يتردّدون، ويقيمون ولا يرجعون، ثم تبلغ بهم الجرأة أن يطلعوا النّزال وأن يراجعوا الرأي.

وهل في دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ما يحي الموات وينبت الأجادب، ويجمع الشتات ويوحّد الرأي، ويقضي على الهوى ويحدّد الأهداف، ويستخفّ بالملك العريض والجاه الواسع، وما كان لأهله من ملك ولا لجماعته من تاريخ؟‍‍!.

نعم راجع الفرس الرأي فيما بينهم، ثم استقرّ أمرهم على لقاء العرب على كره، ونزالهم على هون؛ فجمعوا الجموع القاضية والجيوش الساحقة؛ حتى يبيدوا من العرب الجمع القليل، ويقضوا على الأمل العريض، ثم يتّبعونهم في ديارهم؛ ليبدّدوا منهم الأحلام ويفرقوا منهم الكلمة، ويعيدوهم إلى سيرتهم الأولى من انتجاع الكلأ وتلمّس المرعى واستجداء ذوي الثراء، والميل مع الأهواء.

وخرجت جيوش الفرس بقيادة أعظم قوادهم (رستم)، يحفّ به أمراء للجند مترفون، واتّخذوا أماكنهم غربيّ الفرات على أبواب القادسيّة، ومن ورائهم الثراء العريض والمدن العامرة، وجعلوا بينهم وبين جيش المسلمين رافدا من روافد الفرات يعلوه جسر؛ لسهل حراسته والذود عنه.

ومن ينظر إلى الجيش الكثيف والجند العديد لا يخال إلا أنهم سيقضون على العرب في غدوة نزال أو روحة منه، ولكنهم يقيمون ويطول بهم المقام حتى ليحار الناظر من عددهم وعدّتهم، والمتطلع إلى جيش العرب وعدته، ويتساءل: ما الذي يمنع الفرس من منازلة العرب وليس لهم في ماضيهم جولة مع الفرس رجعوا منها بهزيمة، أو آبوا منها بنصر؟! نعم ما الذي يمنعهم من نزالهم والعدد العربي قليل والزاد يسير والعتاد خفيف؛ والتردّد في اللقاء إنما يكون عند تعادل الجيشين لكل منهما لا يبدأ بحرب عسى أن لا يصبر الخصم على طول الإقامة مع كمال الأهبة؛ فيرضى من الغنيمة بالسلامة ويسعد من المعركة بالعافية؟!.

ويرسل سعد بن أبي وقاص إلى عمر أن القوم لم يبدأوا بنزال، وقد طال المقام واستمرّ التأهب!، ولكن الخليفة الحكيم يأمر قائده بالتريّث والانتظار، ويطلب منه أن لا يبدأ بعدوان، وألا يَملّ من طول المقام.

ونجد أوامر عمر من نفس سعد ونفوس المسلمين سعة وقبولا؛ فيصابرون العدوّ حتى ينفذ صبره، ويطاولونه حتى يمل مقامه؛ فيرسل إلى سعد أن أرسل إلي مِن رسلك مَن نبادله الرأي، ويجمع سعد مجلس الشورى من خاصته، ويعرض عليهم أن تذهب منهم طائفة إلى رستم؛ يبسطون له دعوتهم ويحددون لهم هدفهم، ويتقدم ربعي بن عامر ويقول لسعد: إن الأعاجم لهم آراء وآداب، ومتى نأتِهم جميعا يرَوْا أنا قد احتفلنا بهم؛ فلا تزدهم على رجل! فوافقه الجمع، وأمره سعد بأن يذهب إلى رستم.

فيركب فرسا له قصيرة غير مظهمة ولا فارِهة، ومعه سيفه المرهف مغمورا في لفافة من ثوب خَلِق، ورمحه غمده من أديم بال، وترسه من أديم البقر، ودرعه وعمامته مما يجلل به فرسه عند امتطائه.

فلما وصل إلى الجسر حبسه حرّاسه حتى يستأذنوا له، وأرسلوا إلى قائدهم، وعرف من أمره أنه رجل واحد، ولكنه جمع له مجلسه ليستشيرهم في لقاء العربي البادي؛ فأشاروا عليه بأن يهيّئ له من المظهر ما يأخذ بالنفوس إن كانت كنفوسهم، ويرهب الأفئدة إن كانت كأفئدتهم، ويعقد الألسنة إن كانت كألسنتهم، ويغشى الأبصار إن كانت كأبصارهم.

وحسبوا أن هذا المظهر المترف سيكون له في نفس العربي الذي لم يألف النعمة ولم يتقلب في مظاهر الثراء وقعٌ أبلغ من وقعه في نفوسهم؛ إن لم يكن من مبالغة التقدير فسوف يكون من غفلة المفاجأة، ويأمر رستم بأن تبسط البسط وأن تصفّف النمارق، وأن يكثروا من مظاهر الثراء وآثار النعمة، وأن يوضع له سرير من ذهب، ثم يلبس القائد زينته ويتكئ على الوسائد المنسوجة من الذهب.

وأقبل ربعي بن عامر يسير، وهو راكب فرسه، في وسط جموع من جند الفرس وحرس القائد، وهم ينظرون إلى مظهره وبزّته وسلاحه وعدّته في كثير من الاستخفاف أو كثير من الإشفاق، ولعلهم كانوا يتهامسون إذا كان هذا رسول العرب فما أخفّ وزنهم وما أقل شأنهم، ولعلّ غاية العرب أن نَكْسوا عريهم البادي، وأن نشبعهم من جوع ونرويهم من ظمأ.

وربعي لا يلتفت إلى الأبصار الشاخصة، ولا يستمع إلى النفوس الهاجسة، ولكنه يسير على سمته لم ترهبه كثرة الجمع ولم يؤخذ بمظاهر الثراء؛ فلما وصل إلى أدنى البسط قيل له: انزل عن فرسك! فأصمّ أذنيه عن الأمر الذليل، وهمز فرسه؛ فسارت على البسط الوثيرة حتى استوت عليها، ثم نزل عنها وربطها بوسادتين من وسائد الحرير المنسوج بالذهب؛ عمد إليهما فشقّهما ثم أدخل الحبل فيهما.

ولقد عقدت المناجأة والجرأة ألسنة القوم وقائدهم؛ فلم يمنعوه وإن أنكروا عليه، وتقدّم إليه أحدهم وقال له: ضع سلاحك! فقال له: إني لم آتيكم فأضع سلاحي بأمركم، أنتم دعوتموني؛ فإن أبيتم أن آتيكم إلا كما أريد وإلا رجعت؛ فأخبروا رستم بمقالة ربعي، فقال: ائذنوا له! هل هو إلا رجل واحد؟!.

ونظر ربعي إلى سمات القوم فوجد عليها سحابات من الغيظ المكبوت والحقد المتأجّج؛ فأراد أن يزيد النار ضراما؛ فأقبل يتوكّأ على رمحه يمشي وئيدا قريب الخطو وهو يزجّ النمارق والبسط برمحه؛ فما ترك لهم نمرقة ولا بساطا إلا أفسده وتركه متهتّكا مخرقا، فلما دنا من رستم تعلّق به الحراس؛ فجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط؛ فقالوا له: ما حملك على هذا؟ قال: إنّا لا نحبّ القعود على زينتكم هذه.

وعرف القوم أنهم أخطأوا التقدير حينما حسبوا أن مظاهر النعمة ستبهر ابن الصحراء أو تشتّت عليه رأيه أو تروّع منه فؤاده، وعرف ربعي ما يهدف إليه القوم من المبالغة في إظهار مظاهر الثراء وأسباب الترف، وما خرج ربعي بفعله عن آدابه أو حاد عما تدعوه إليه أخلاقه، ولكنه أراد أن يبصر القوم بغايته قبل أن يتكلم بها، وأن يعرفهم أن هذه المظاهر قد رانت على قلوبهم؛ فلم يصل إليها نداء لحرية أو صوت يدعو إلى كرامة، أو دعوة تحثّ على مساواة، وأنّهم واهمون إن ظنوا أن غاية ربعي ومن خلفه طلب شيء من دنياهم أو الظفر بشيء من ديارهم.

ويقول رستم لربعي: ما جاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام؛ فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه؛ فمن قبل منّا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نقضي إلى موعود الله. قال له رستم: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي، فقال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخّروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم، كم أحبّ إليكم؛ أيوماً أو يومين؟ قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا.

وأراد رستم أن يقرب ربعيا منه وأن يدنيه، وأن يحسن له القول ويزيّن له الحديث؛ لعلّه يجد منه إيناسا به أو ركونا إليه؛ فيمنّيه أو يَعده؛ لعله بهذا يرجع إلى قومه بوجه غير الذي جاء به، ولكن ربعيّا يبدّد الوهم بالجد من القول، فيقول: إن مما سنّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به أئمتنا أن لا نُمكّن الأعداء من آذاننا، ولا نؤجّلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث؛ فنحن متردّدون عنكم ثلاثا، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل: اختر الإسلام وندعك وأرضك، أو الجزية فنقبل ونكفّ عنك، وإن كنت عن نصرنا غنيا تركناك منه وإن كنت إليه محتاجا منعناك، أو المنابذة في اليوم الرابع، ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا، وأنا كفيل لك بذلك على أصحابي وعلي جميع من ترى من قومي! قال: أسيّدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد لبعضهم من بعض؛ يجير أدناهم على أعلاهم، وخلا رستم برؤساء قومه وقال لهم: ما ترون؟ هل رأيتم كلاماً قطّ أوضح ولا أعزّ من كلام هذا الرجل؟ قالوا: معاذ الله لك أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى دين هذا الأعرابي الجائع! أما ترى إلى ثيابه؟! فقال: ويحكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة؛ إن العرب تستخفّ باللباس والمآكل ويصونون الأحساب، وهم ليسوا مثلكم في اللباس ولا يرون فيه ما ترون.

وعجب القوم من كلام قائدهم، وظنوا به الظنون في تقديره للعرب مثل هذا التقدير، وأرادوا أن يؤيّدوا ظنهم أو يدفعوا وهمهم؛ فتقدموا إلى ربعي وتناولوا سلاحه وهم يزهّدونه فيه، فقال لهم: هل لكم إلى أن تروني فأريكم، ثم أخرج سيفه من خرقه كأنه شعلة نار، فقال القوم: أغمده! فغمده، ثم رمى ترسا لهم فخرقه، ورموا هم وقايته من الأديم فسلمت، فقال لهم: يا أهل فارس إنكم عظمتم الطعام واللباس والشراب، وإنا صغرناهن.

وعرف الفرس حينما رأوا بريق سيفه أن له مضاء ولصاحبه عزيمة، فأسرعوا إلى طلب إغماده، كما رأوا عندما انخرق ترسهم وسلمت وقايته مع تفاوت الصلابة أن الذي خرق ترسهم إنما هي قوة عزيمة ربعي وصلابة إيمانه بدعوته، وأن الذي حفظ ترسه الجلدي من رميهم إنها رمية الأذلاء المستضعفين، وأنّى للنفوس الذليلة أن يكون لها قوة، وللمستضعفين من الناس أن يكون لهم مضاء.

ثم رجع ربعي إلى أن ينظر إلى الأجل؛ فلما كان من الغد بعثوا: أن ابعثوا إلينا ذلك الرجل؛ فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن؛ فأقبل في بذة صاحبه وهيأته وسمته وسلاحه، وعملوا له كما عملوا لصاحبه، وعمل هو معهم مثل ما عمله صاحبه؛ فلما وقف على رستم قال له: ما بالك جئت ولم يجئ صاحبنا بالأمس؟ قال: إن أميرنا يحبّ أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء؛ فهذه نوبتي، ثم سأله رستم عما جاء بهم؟ فما زاد ولا نقص عن قول ربعي، فسأله الموادعة إلى أجل؟ فقال له: لكم ثلاثة أيام من أمس، فلما لم يجد عنده إلا ذلك ردّه، وأقبل على أصحابه فقال لهم: ويحكم ألا ترون إلى ما أرى؟ جاءنا الأوّل بالأمس فغلبنا على أرضنا، وحقر ما نعظم، وأقام فرسه على ما نحفل به غالي الحرير وربطه به، وقد ذهب إلى قومه في يمن الطائر مع فضل عقله، وجاءنا هذا اليوم فما رأينا منه إلا ما رأينا من صاحب الأمس، ثم رجع كما رجع أخوه؛ فأغضبهم وأغضبوه، فلما كان من الغد أرسل: أن ابعثوا إلينا رجلا آخر منكم؛ فأرسلوا إليه المغيرة بن شعبة، فعملوا له مثل ما عملوا لصاحبيه، وعمل هو معهم مثل ما عمل صاحباه، ثم زاد أن جلس على سرير رستم واتّكأ على وسادته؛ فوثبوا عليه وأنزلوه، وحقروا فعله وشأنه؛ فلم يغضب المغيرة مما فعل به، ولعلّه أراد أن يرى من فعالهم ما يكون فيه الدليل على مهانتهم وذلتهم وسفاهة رأيهم، ثم يريهم من أمر العرب فيما بينهم ما تتوق إليه نفوسهم، وما يؤلّب عامّتهم على خاصّتهم؛ فيكون عمل بعمله هذا فوق ما يعمله جيش قوي العتاد كثير الجند، فلما رأى منهم ما رأى قال لهم: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوما أسفه منكم، وإنا معشر العرب سواء؛ لا يستعبد بعضنا بعضا إلا أن يكون محاربا لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، وأنا لم آتكم ولكنكم دعوتموني، اليوم علمت أن ريحكم ذاهبة وأنكم مغلبون، وأن ملكا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول[1].

وبلغ المغيرة بمقالته ما أراد، وحقّق لنفسه ما قصد، فوصلت مقالته إلى نفوس ظامئة إلى الحرية وإلى قلوب مطوية على ضغينة، وهي وإن تظاهرت بالرضا فما ذلك إلا لضعف حيلتها أو فقدان قيادتها، وقال المستضعفون: صدق والله العربي! وقال السادة: والله لقد رمى العربي بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه! ثم قالوا: قاتل الله من سبق منا؛ ما كان أحمقهم حين كانوا يصغّرون أمر هذه الأمة، ثم مازحه رستم ظنا منه أن المغيرة قد كره ما حصل من قومه، ثم مدّ رستم يده إلى كنانة المغيرة فأخرج منها سهما وقال له: ما هذه المغازل التي معك؟ فقال له المغيرة: ما ضرّ الجمرة ألا تكون طويلة؟! ثم قال: وما بال سيفك رثّا؟ قال: رثّ الكسوة حديد المضربة!، واستنبأه نبأ قومه، فقال مقالة صاحبيه، ولكنه تخير من اللفظ ما يثير الحميّة حتى يفضحه على المطاولة، وما ترك رستم إلا وهو متوعّد ومنذر.

ولما انصرف المغيرة خلا رستم بخاصته بعد أن رأى من أمر العربي الجدّ الجادّ فقال لهم: أما ترون من أمر هؤلاء القوم أنهم لم يختلفوا، وسلكوا طريقا واحدا ولزموا أمرا واحدا؟! هؤلاء والله الرجال صادقين كانوا أم كاذبين، والله لئن كان بلغ من أربهم وصونهم لسرهم أن لا يختلفوا فما قوم أبلغ مما أرادوا منهم، ولئن كانوا صادقين ما يقوم لهؤلاء شيء.

ولقد ترك المغيرة القوم وقد اختلط عليهم الأمر وتشتت منهم الرأي وتنازع الهوى؛ فالسادة يودّون الإبقاء على أبّهة الحكم والسلطان والرئاسة، والعبيد سمعوا نداء الحرية التي ينزعون إليها، وعرفوا أنهم إن فاتتهم الفرصة المواتية على أيدي المسلمين اليوم فقلّ أن تعود.

ورأى القائد وذوو الرأي معه بوادر التمرّد تسري في جنبات جيشه، فأمر بالقيود والسلاسل فقيدت بها الجند وشدّت بها الرجال، وأنّى لمكره أن يدافع عن ديار؟!، وأنّى لمستعبد أن يدافع عن أوطانه، وليس له في هذا الوطن رأي مسموع ولا حق مصان ولا حياة كريمة؟!.

وما عرف الفرس أن القلوب إذا طويت على ضغن من طول الإذلال فقلّ أن تستجيب لنداء أو تحفّ لنجدة، وما غناء مَن قُيّد بالقيود وقُرِن في السلاسل في الدفاع عن الأوطان والذود عن الحمى؟!.

ولقد كشف ربعي وأخواه للفرس عما يدور في المجتمع الجديد من حرية في الرأي ووحدة في الهدف وسموّ في المقصد، وأعلموهم أنهم وإن لم يكن لهم في التاريخ صفحات، ولا بين الأمم وزن إلا أنهم من اليوم سوف يكون لهم منهج من الحرية الصادقة؛ يأخذون أنفسهم به وينشرونه في الناس، وأنهم إن جاءوا إلى بلادهم اليوم وإن ذهبوا إلى بلاد غيرهم غدا فهم لا يتطلّعون فتحا لاغتصاب أرزاق ولا لاستعباد شعوب ولا لاحتلال ديار، وإنما هم يرفعون راية حرية الإنسان أينما حلّوا، وأنهم لِسموّ ما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم - من توحيد الكلمة ونكران الذات وحرية الرأي وأخوة الإنسان لأخيه - لم يرضوا أن يعيشوا ناعمين بالحرية وغيرهم يرسف في أغلال العبودية، وأن الإنسانية التي طال عليها الظلام لا بدّ لها من نور ساطع قويّ ينفذ إلى النفوس المظلومة؛ فيضيء لها السبيل ويوضح الطريق ويحدّد الغاية، وأن العرب قد حملوا الأرواح على الأكفّ في سبيل دعوة الحقّ والعدالة؛ فمن مات في سبيلها مات ونفسه راضية لأنه يدافع عن مبادئ الإسعاد للإنسانية، ومن بقي منهم سرّه أن ينعم الناس بما ينعم به.

ونحن في هذه الآونة التي تمرّ بالعرب والمسلمين نحتاج إلى الكثير من أمثال ربعي وأخويه، والرأي لا ينضج إلى في ظلال الحرية والإيمان لا يقوى إلا في كنف الرحمة، كما نحتاج إلى الكثير من أمثال سعد ممّن يأخذون أمرهم بالشورى المبرّأة من الإرهاب، البعيدة عن الإعجاب بالرأي والاستبداد به؛ لأنه لا يستقيم أمر أمة استبدّ قادتها برأيهم، أو أرهبوا غيرهم حتى لا يجهروا برأي، والطريق لا توضح معالمه إلا إذا كثرت السواعد المتعاونة على تمهيده، وتبودلت الآراء في حرية تامة وأمن كامل.

أما أن نقتل في النفوس حبّ الخير بالإرهاب، أو نقضي على الآراء الناضجة بالإهمال، أو نَحول بين الناس وبين إبداء آرائهم بالقسوة؛ فإن هذا أمر يجعل اليأس يتطرّق إلى القلوب؛ فلا تُخلص النصح ولا تنطوي على محبة، وقلّ أن يرتفع شأن أمة وقلوب بنيها متنافرة من القسوة أو متعادية بسبب الحرمان.
رضوى
رضوى
عضو فعال
عضو فعال

انثى عدد الرسائل : 95
تاريخ التسجيل : 16/07/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

نجمة رد: رجال صدقوا مع الله

مُساهمة من طرف بقايا إنسان الجمعة 10 أغسطس 2007, 00:35

هؤلاء رجال بحق عرفوا طريق الحياة الصحيح
ورخصت الدنيا فى عيونهم وخافوا الله فأخاف منهم كل شئ
بقايا إنسان
بقايا إنسان
مراقب
مراقب

ذكر عدد الرسائل : 101
تاريخ التسجيل : 15/07/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

نجمة رد: رجال صدقوا مع الله

مُساهمة من طرف شمــــــوع السبت 11 أغسطس 2007, 14:17

عندما نقرأ مثل هذه المواقف البطولية ونسأل أنفسنا كيف كانوا هكذا
نجد الإجابة على الفور خافوا من الله تعالى فخوف الله منهم كل شئ
شمــــــوع
شمــــــوع
المشرف المميز
المشرف المميز

انثى عدد الرسائل : 151
الإقامة : مصر
الوظيفة : طالبة
الهوايات : القراءة
تاريخ التسجيل : 16/07/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

نجمة رد: رجال صدقوا مع الله

مُساهمة من طرف أنـــــوار السبت 18 أغسطس 2007, 18:07

بارك الله فيك أختى رضوى
أنـــــوار
أنـــــوار
عضو نشيط
عضو نشيط

انثى عدد الرسائل : 142
الوظيفة : طالبة
تاريخ التسجيل : 17/07/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

نجمة رد: رجال صدقوا مع الله

مُساهمة من طرف بقايا إنسان الأربعاء 22 أغسطس 2007, 19:24

فى انتظار جديدك
بقايا إنسان
بقايا إنسان
مراقب
مراقب

ذكر عدد الرسائل : 101
تاريخ التسجيل : 15/07/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى